أركان الولاء والبراء في الإسلام

 النهي عن تولي الكافرين

قال الله تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير)
 [آل عمران 28].
 قال الطبري رحمه الله: "ومعنى ذلك لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهراً وأنصاراً، توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء، يعني بذلك فقد برىء من الله وبرىء الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر"
 (تفسير الطبري ج3 ص227).
وقال الله تعالى: (بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً) [النساء 139].
وقال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً) [النساء 144].
 قال الطبري رحمه الله: "يقول لهم جل ثناؤه يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله لا توالوا الكفار فتوازروهم من دون أهل ملتكم ودينكم من المؤمنين فتكونوا كمن أوجب له النار من المنافقين" (تفسير الطبري ج5 ص337).
وقال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين، فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين، ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين، يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم، إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون، يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين، وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) [المائدة 51- 58].
قال الطبري رحمه الله: "يعني تعالى ذكره بقوله: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) ومن يتول اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم. يقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متول أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه" (تفسير الطبري ج6 ص277).

وقال ابن حجر العسقلاني في شرح حديث ابن عمر رضي الله عنهما : " إذا أنزل الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم" رواه البخاري (7108). 

 قال ابن حجر رحمه الله : "ويستفاد من هذا مشروعية الهرب من الكفار ومن الظلمة لأن الإقامة معهم من إلقاء النفس إلى التهلكة، هذا إن لم يعنهم ولم يرض بأفعالهم، فإن أعان أو رضي فهو منهم" ( فتح الباري ج31 ص61).

ولذلك أوجب الله سبحانه لهم الخلود في النار، قال تعالى: (ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون) [المائدة 80].
وقال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون، قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين)[التوبة 32، 24].

 قال ابن كثير رحمه الله: "وروي الحافظ البيهقي من حديث عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح ينعت له الآلهة يوم بدر، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر الجراح قصده ابنه أبو عبيدة فقتله، فأنزل الله فيه هذه الآية.

وقد ثبت في الصحيح خ 15 م44 عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" " (تفسير ابن كثير ج2 ص343، 344).

أ- الفرق بين الموالاة والتقية.
فرقت الشريعة بين موالاة الكافرين المنهي عنها وبين اتقاء شرهم، قال الله تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) [آل عمران 28].

 قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله تعالى: (إلا أن تتقوا منهم   تقاة) أي من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم، فله ان يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته، كما قال البخاري: عن أبي الدرداء أنه قال: إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم. وقال الثوري قال ابن عباس: ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان" (تفسير ابن كثير ج1 ص358). والكَشْرُ: بدو الأسنان عند التبسم. (لسان العرب ج5 ص142)

وقال رحمه الله في تفسير قوله تعالى (وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيت في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين): "وهذا مثل ضربه الله للمؤمنين، أنهم لا تضرهم مخالطة الكافرين إذا كانوا محتاجين إليهم، كما قال تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة)" (تفسير ابن كثير ج4 ص394)

وقال القرطبي رحمه الله: "قال معاذ بن جبل ومجاهد: كانت التقية في جدة الإسلام قبل قوة المسلمين، فأما اليوم فقد أعز الله الإسلام أن يتقوا من عدوهم. قال ابن عباس: هو أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان ولا يقتل ولا يأتي مأثماً. قال الحسن: التقية جائزة للإنسان إلى يوم القيامة، ولا تقية في القتل.

وقيل: إن المؤمن إذا كان قائماً بين الكفار فله أن يداريهم باللسان إذا كان خائفاً على نفسه وقلبه مطمئن بالإيمان. والتقية لا تحل إلا مع خوف القتل أو القطع أو الإيذاء العظيم. ومن أكره على الكفر فالصحيح أن له أن يتصلب ولا يجيب إلى التلفظ بكلمة الكفر، بل يجوز له ذلك" (تفسير القرطبي ج4 ص57).

وقال الطبري رحمه الله: "(إلا أن تتقوا منهم تقاة) إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مسلم بفعل"
 (تفسير الطبري ج3 ص227).

ويؤيد هذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- لما تكلم عمن أكرهه التتار على الخروج في جيشهم، فقال رحمه الله: "وإذا كان الجهاد واجباً وإن قتل من المسلمين ما شاء الله، فقتل من يقتل فى صفهم من المسلمين لحاجة الجهاد ليس أعظم من هذا.
بل قد أمر النبى المكره فى قتال الفتنة بكسر سيفه، وليس له أن يقاتل وإن قتل، كما فى صحيح مسلم عن أبى بكرة قال: قال رسول الله: "إنها ستكون فتن، ألا ثم تكون فتن، ألا ثم تكون فتن، القاعد فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ألا فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بابله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه"، قال: فقال رجل: يا رسول الله أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض، قال: "يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر، ثم لينج إن إستطاع النجاة، اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت" فقال رجل: يا رسول الله أرأيت أن أكرهت حتى ينطلق بى إلى إحدى الصفين أو إحدى الفئتين، فيضربني رجل بسيفه أو بسهمه فيقتلني، قال: "يبوء باثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار".

ففى هذا الحديث أنه نهى عن القتال فى الفتنة، بل أمر بما يتعذر معه القتال من الاعتزال أو إفساد السلاح الذى يقاتل به، وقد دخل فى ذلك المكره وغيره، ثم بين أن المكره إذا قتل ظلماً كان القاتل قد باء باثمه وإثم المقتول، كما قال تعالى فى قصة إبنى آدم.

والمقصود أنه إذا كان المكره على القتال فى الفتنة ليس له أن يقاتل، بل عليه إفساد سلاحه وأن يصبر حتى يقتل مظلوماً، فكيف بالمكره على قتال المسلمين مع الطائفة الخارجة عن شرائع الإسلام كمانعي الزكاة والمرتدين ونحوهم، فلا ريب أن هذا يجب عليه إذا أكره على الحضور أن لا يقاتل وإن قتله المسلمون، كما لو أكرهه الكفار على حضور صفهم ليقاتل المسلمين، وكما لو أكره رجل رجلاً على قتل مسلم معصوم، فإنه لا يجوز له قتله بإتفاق المسلمين، وإن اكرهه بالقتل فإنه ليس له حفظ نفسه بقتل ذلك المعصوم" (مجموع الفتاوى ج 28 ص 538، 539).

فالخلاصة: أن المسلم إذا واجه ظروفاً تعرض فيها للقتل أو القطع أو الإيذاء العظيم فيجوز له أن يتلفظ ببعض الكلمات ليرد بها أذى الكافرين، دون أن يقوم بفعل يساندهم به أو يأتي مأثماً أو يعينهم على مسلم بفعل أو قتل أو قتال، والأفضل له أن يصبر على الأذى ولو أدى إلى قتله.

No comments:

Post a Comment